قصة الشاب الفقير الذي أصبح قاضياً ووزيراً وعالماً مشهوراً

قصة الشاب التقي الذي تحول من فقير لا يجد ما يسد به رمقه إلى واحد من أغنياء بغداد ثم قاضياً ووزيراً لدى الخليفة وعالماً مشهوراً. هي قصة القاضي ابن هبيرة ، من روائع قصص تاريخنا الاسلامي المجيد.

قصة القاضي ابن هُبَيْرة

سأحكي لكم اليوم قصة شابٍّ من البادية سافر إلى بغداد للعمل وطلب العلم ، فاستأجر غرفة يسكن فيها..
و كان بعد صلاة الفجر من كل يوم ، يخرج للعمل، وبعد صلاة الظهر يذهب إلى مجالس العلم والتعلم .
كان هذا الشاب يُقَسِّمُ أجر عمله إلى ثلاثة أقسام:
ثلث يرسله لأبيه ، وثلث لصاحب الغرفة ، والباقي لنفقته ….
واستمر الوضع على هذا الحال زمناً، لكنه توقف عن العمل مجبراً .. وبقي عاطلاً يبحث عن العمل دون جدوى ، مرت عليه ثلاثة أشهر لا يستطيع أن يدفع إيجار سكنه ، فجاءه صاحب الغرفة يهدده قائلاً:
أمامك ثلاثة أيام لدفع الإيجار وإلّا سجنتك، فأنا ما بنيت هذا البيت وقفاً للفقراء ..

رحلة البحث عن عمل

خرج الشاب يبحث عن عمل في اليوم الأول فلم يجد ،
في اليوم الثاني ، ذهب إلى ديوان الخراج يسألهم عن عمل فلم يجد، وفي اليوم الثالث وهو اليوم الموعود الذي قد يسجن فيه إن لم يدفع الايجار ، خرج من بيته حاملاً هموم الدنيا فوق رأسه.

قصة الشاب الفقير الذي أصبح قاضياً ووزيراً وعالماً مشهوراً

يقول هذا الشاب: بدأت أمشي وأمشي ولا أنوي على مكان ، إلى أن وجدت نفسي على أطراف بغداد، فرأيت بيتاً متهالكاً لا يبعد عن الطريق بكثير، فقلت في نفسي: سأستريح هنا بعض الوقت ، ثم أستأنف مسيري، وعند البيت، وضعت يدي على الباب فإذا به مفتوح،
وإذ بشيخ مسن مضطجع على سرير ، فناداني قائلاً: ٱسمع يا بُنَيَّ: والله ما ساقك إليَّ إلّا الله ، وأنا الساعة أموت ، وأشتهي عنباً،
فقلت له: أبشر، فوالله لتأكلنَّ اليوم عنباً ..
فٱنطلقت إلى السوق وذهبت إلى تاجر يبيع العنب وسألته: بكم هذا العنب؟ فقال: بدرهم، فقلت له: خذ ثوبي هذا رهناً عندك إلى أن آتيك بالمال ، وأخذت العنب وأنا أجري به حتى ألحق الرجل قبل موته، وقدَّمتُ إليه العنب، مع أنِّي في حاجةٍ إليه أكثر منه ،
وبعد أن أكل العنب قال لي: ٱسمع يا بُنَيَّ: إحفر هناك في ركن الغرفة ستجد تحته شيئاً، أخرجه وأتني به .

بداية الفرج

أخذت في الحفر إلى أن وجدت جرّة مليئة بالمال والذهب ، قدَّمتها له ، فسكبها في ملابسي ثم قال لي : هي لك ،
وسأحكي لك قصة هذا المال يا بُنَي ، كنت أنا وأخي تاجرين كبيرين نذهب للهند والسند ، ونتاجر في الحرير والصوف، وكنا نخاف من اللصوص وقُطَّاع الطرق، وفي يوم من الأيام نزلنا منزلاً فقلت لأخي : هذا المنزل يرتاده قطاع الطرق، وأنا أخشى على مالي ومالك، أعطني مالك كي أخفيه مع مالي في مكان آمن، ثم أرجع إليك، فإن أصبحنا وسلمنا أخذنا مالنا ومشينا. وكذلك كان . فقد أخفيت هذا المال واستسلمنا أنا وأخي للنوم .فجاء قطاع الطرق، وقتلوٱ من قتلوٱ، ونهبوٱ ما نهبوٱ، وما فقت من نومي إلّا والشمس في كبد السماء من اليوم التالي ، فأخذت أبحث عن أخي فلم أجده لا بين الأحياء ولا بين الأموات، فدخلت بغداد وبنيتُ هذا البيت، وأخفيت هذا المال الذي هو مال أخي منذ عشرين عاماً،
فإن متُّ فهو حلال لك، ثم نطق الرجل بالشهادتين ومات.
يقول: فأخفيت المال وخرجت أبحث على من يعينني على دفن هذا الشيخ، وبعد دفنه عدتُ لآخذ جرة المال. فبعد أن كنت فقيراً مُعدَماً أصبحت من أثرياء بغداد.

قصة الشاب الفقير الذي أصبح قاضياً ووزيراً وعالماً مشهوراً
يقول الشاب : أخذت المال وذهبت إلى بائع الخضار وأعطيته ثمن العنب وأعطاني ثيابي ، ثم أردت أن أركب مركباً لأنتقل إلى الناحية الثانية من نهر دجلة ، فوجدت مراكب كثيرة، لكنني وجدت مركباً صاحبه يبدو عليه الفقر والعوز ، فركبت معه وقد أحزنني حاله، وقد هممت أن أعطيه من هذا المال الذي معي ، فبكى، ثم قال: والله ما كنت فقيراً في يومٍ من الأيام، فقد كنت تاجراً أذهب إلى الهند والسند ، وأتاجر في الحرير والصوف، وكان لي أخ لا بارك الله فيه قد ٱتفق مع اللصوص كي يقتلونني ويأخذوٱ مالي ، لكن الله نجَّاني ، إلى أن آل بي المآل إلى بغداد ..

العودة إلى الفقر والهم من جديد

يقول الشاب: فٱسودَّت الدنيا في عيني مرة ثانية، لقد أصبحت الجرَّة من نصيب صاحبها، ولا بُدَّ للمالِ أن يعود إلى صاحبه ، تدخَّل الشيطان وقال لي: لا تعطه المال ، وإن كنت لا بد فاعلاً ، فأعطه بعضه أو نصفه، فأنت لا تدري هل هو صادق ام كاذب. إلى أن توقفت وقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ونظرت إليه وقلت: هذا المال مالك، فلم يُصدِّق الرجل، وحكيت له ما حدث بيني وبين أخيه، وأنني قد دفنته من ساعة فقط، فأخذ الرجل يبكي ويستغفر ربه لسوء ظنه بأخيه، ثم أراد أن يعطيني شيئاً من هذا المال فأبيت، لكنني طلبت منه أن يسامحني فى درهم العنب ..
يقول: فرجعتُ إلى بغداد مرة ثانية، فقيراً مُعدَماً كما خرجت منها من قبل،

الفرج من جديد وجائزة الصبر والأمانة

وبينما أنا أسير إذ بالعسكر الذين يعملون في ديوان الخراج ينادون عليَّ ويقولون لي: نبحث عنك منذ الصباح، أين كنت يا رجل؟ فقلت في نفسي: لا بد أنهم يبحثون عني ليسجنونى لعدم دفعي إيجار الغرفة،ثم قالوا لي: لقد مات بالأمس أحد الكُتَّاب بالديوان ونبحث عنك كي تعمل بدلاً منه، فأدخلوني عندهم وأعطوني مُرتَّب شهر، فذهبت إلى صاحب الدار وأعطيته حقه في الإيجار . وبقيت أمارس عملي وأترقى في المناصب حتى أصبحت وزيراً … أتدرون من هذا الشاب التقي الورع؟
إنه العالم الفقيه الوزير (ابن هُبَيْرة). الذي عاش بين 449 هجرية و 560هجرية.
قال عنه ابن الجوزي رحمه الله : خرج في جنازته ما لم يُرَ في جنازة غيره في عصره ..
” ومن يتقٍّ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ومن يتوكَّل على الله فهو حسبه ” ..
سبحان مغيرالأحوال اللهم بدّل أحوالنا إلى أحسن حال . وكفى بالله وكيلا .

 

قناة رحيل الليل

روابط قد تهمك: 

شارك الموضوع
إذا أعجبك المقال ،لا تَقْرَأْ وتَرْحَل، وتُحَمِّل وتَرْحَلْ … تَـعْلِيقَـاتُكَ تَـشْجِيعٌ لَـنَـا لِنَسْتَمِرَّ فِــي الْبَحْثِ وَالْعَطَـاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

حول الكاتب :   من أقصى شمال المغرب كاتب مقالات إلكترونية حول كيفية بناء موقع ويب ناجح : ووردبريس ، HTML ، CSS .ومواضيع مختلفة وناشط على اليوتيوب في قناة: Jabism Web و رحيل الليل
كتب 447 مقالة في jabism.com.
-:- راسلني   -:- تابعني على تويتر   -:- تابعني على الفايسبوك

38 عدد المشاهدات لهذا المحتوى
Scroll to Top