أمير يختبر القاضي في عدله

أمير يختبر القاضي في عدله

يحكى أن قاضياً اشتهر بالعدل والذكاء والفطنة ومعرفة مكامن الحيل والخداع . ولم يسبق لأحد المحتالين خداعه .. فوصل الخبر إلى أمير البلاد . فأراد أن يتحقق بنفسه من صحة ما يروى عن هذا القاضي الذي يوجد في إمارته. فتنكر فى زى تاجر. وامتطى جواده وسافر إليه. وعند مدخل المدينة اقترب منه رجل كسيح يلتمس صدقه ، فأعطاه ما شاء الله أي يعطيه . لكن الكسيح قرأ في وجهه أنه رجل غريب عن المدينة فأرادأن يحتال عليه. فتعلق بردائه. التفت التاجر إلى الكسيح، وسأله : ماالذى تريده يارجل؟ ألم أعطك صدقة؟

أمير يختبر القاضي في عدلهأمير يختبر القاضي في عدله

قال الكسيح : بلى ، ولكن أفعل معى معروفاً، وخذنى إلى ساحة المدينة ، فاستجاب لطلبه ، وأردفه خلفه، وفى الساحة رفض الكسيح النزول
من على ظهر الجواد.
فنهره التاجر قائلا: هيا انزل يارجل، لقد وصلنا. ألا تعرف المكان؟
قال الكسيح: ولم النزول والجواد ملكى؟
فاستغرب التاجر من هذا التصرف وحاول إنزاله بالقوة ، لكن الكسيح كان عنيداً ، فأخذ يرفع صوته ويطالب التاجر بالنزول . تجمهر الناس حولهما، واقترحوا عليهما الذهاب الى القاضى.
مضى الاثنان إلى القاضى، وكان الناس متجمعين فى المحكمة، وكان الحاجب ينادي على المتخاصمين حسب الدور، فاستدعى القاضى نجاراَ وسماناَ ، كانا يتنازعان عن نقودٍ بيد النجار.
قال النجار : اشتريت من هذا سمنا، وعندما أخرجت محفظتى لأدفع له الثمن ، أختطفها من يدى محاولا انتزاع النقود ، وهكذا جئنا اليك ،
يده على يدى و يدي على محفظتى كما ترى ، و النقود نقودى يا سيدي القاضي.
أما السمان فقال : هذا كذب. جاء النجار إلى ليشترى سمنا ، وبعد ان ملأت له إناءً كاملاً من السمن، طلب منى أن أفك له قطعة ذهبية ، فأخرجت المحفظة ، ووضعتها على الطاولة فأخذها وأراد الهرب، فامسكت به
من يده ، وجئت به إلى هنا.

 

أمير يختبر القاضي في عدله

صمت القاضى ، ثم قال : اتركا النقود هنا وعُدا غداً لأبث في مسألتكما.
وعندما حان دور التاجر والكسيح، قص التاجر ما حدث ، ثم أشار القاضى للكسيح أن يأتى بحجته.
قال الكسيح هذا كله كذب وافتراء يا سيدي القاضي ، فقد كنت ممتطياً جوادى فى ساحة المدينة . فجاءني هذا الرجل وطلب مني أن أحمله إلى باب السوق. فنقلته الى حيث المكان الذي أراد ، فلما وصلنا ، إذا به يمتنع عن النزول ، وأكثر من هذا ، فإنه ادعى أن الجواد جواده ، فكر القاضى ، ثم قال : اتركا الجواد عندى ، واحضرا غداً صباحاً.
فى اليوم التالى اجتمع المتخاصمون للاستماع إلى حكم القاضى . وكانت المحكمة مليئة بالناس الذين لا شغل لهم سوى متابعة أحكام الناس ومشاكلهم.
فنودي على النجار والسمان ، فلما مَثُـلا أمام القاضي ، قال القاضى للنجار : خذ النقود فهي ملك لك ، ثم أشار إلى صاحب الشرطة أن يضرب السمان خمسين سوطاً كي لا يعود لفعلته هذه …
ثم استدعى الحاجب التاجر والكسيح ، فوقفا بين يدى القاضى لسماع الحكم.
فسأل القاضى التاجر : هل تستطيع معرفة جوادك من بين عشرين جواداً؟
قال التاجر : نعم
فسأل القاضى لكسيح : وأنت ؟ هل تستطيع معرفته بين عشرين جواداً
فقال الكسيح : نعم
ثم أخذهما القاضى الى الاسطبل ، فأشار التاجر فى الحال إلى جواده وقد ميزه من بين عشرين جواداً، وكذلك تعرف الكسيح على الجواد .
عاد القاضى إلى مكانه، وقال للتاجر : الجواد جوادك فخذه ، أما الكسيح فاضربوه بالسوط خمسين مرة.

بعد انتهاء جلسة المحاكمة ذهب القاضى إلى بيته . فسار التاجر خلفه . فالتفت القاضى إليه وسأله: ما الذى تريده؟ أم انك غير راض عن حكمي ؟
أجاب التاجر: بلى ، ولكنى أردت أن أعلم كيف عرفت أن النقود ملك النجار وليست للسمان ، وأن الجواد لى ، وليس للكسيح؟
قال القاضى : أما أمر النجار والسمان ، فقد وضعت النقود فى قدح ماء ، ثم نظرت اليوم صباحا الى القدح لأرى ما اذا كان السمن طافيا على سطح الماء، فلو كانت النقود نقود السمان ، لكانت ملوثة بيديه الدسمتين ، ولطفا دسم السمن فى القدح ، وأما معرفة صاحب الجواد فكانت المسأله أصعب ، فالكسيح أشار مثلك فى الحال الى الجواد من بين عشرين جوادا ، ولكننى لم أدخلكما إلى الإسطبل لأرى أيكما سيتعرف على الجواد : بل لأرى ايكما سيتعرف الجواد عليه ، و عندما اقتربت أنت منه التفت برأسه ، ومده إليك ، وعندما اقترب الكسيح إليه رفع أذنيه وقائمته مستنكراً من اقتراب الغريب، وهكذا عرفت أنك صاحب الجواد. وليس الرجل الكسيح.
فقال التاجر مبتسماً : في حقيقة الأمر، أنا لست تاجراً،
بل أنا أمير البلاد جئت إلى هنا لأعرف بنفسي حقيقة مايقال عنك . وها أنا أرى الان أنك قاض حكيم ، فاطلب منى ماشئت كمكافأة مني تقديراً لإخلاصك في عملك وقضاء حوائج الناس بالحكمة والعدل.
قال القاضى: أنا لاأحتاج مكافأة ايها الأمير على أداء عملى بصدق وإخلاص.

 

قناة رحيل الليل

روابط قد تهمك: 

شارك الموضوع
إذا أعجبك المقال ،لا تَقْرَأْ وتَرْحَل، وتُحَمِّل وتَرْحَلْ … تَـعْلِيقَـاتُكَ تَـشْجِيعٌ لَـنَـا لِنَسْتَمِرَّ فِــي الْبَحْثِ وَالْعَطَـاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

حول الكاتب :   من أقصى شمال المغرب كاتب مقالات إلكترونية حول كيفية بناء موقع ويب ناجح : ووردبريس ، HTML ، CSS .ومواضيع مختلفة وناشط على اليوتيوب في قناة: Jabism Web و رحيل الليل
كتب 447 مقالة في jabism.com.
-:- راسلني   -:- تابعني على تويتر   -:- تابعني على الفايسبوك

39 عدد المشاهدات لهذا المحتوى
Scroll to Top