هذا الموضوع فيه إنَّ

هذا الموضوع فيه إنَّ

كثيراً ما نسمع هذه العبارة حين يكون الموضوع الذي نناقشه أو نسمعه فيه شك أو سوء نية . ولكننا لا نعرف أصل هذه العبارة التي ورثتها الأجيال أباً عن جد .. إنها قصة فريدة من نوعها تندرج ضمن قصص حدة الذكاء عند العرب.
وإليكم أصل القصة بالتفصيل:

خلاف بين الأمير والملك

يحكى أنه كان في مدينةِ حلَب أميرٌ ذكيٌّ فطِنٌ شجاعٌ إسمه «علي بن مُنقِذ»، وكان تابعاً للملك (محمود بن مرداس)
فحصل أن حدثَ خلافٌ كبير بين الملكِ والأميرِ ، ومع تطور الأزمة بينهما فطِن الأمير إلى أنّ الملكَ ينوي على قتله، فهرَبَ مِن حلَبَ إلى بلدة دمشق .
طلب الملكُ مِنْ كاتبِه أن يكتبَ رسالةً إلى الأمير عليِّ بنِ مُنقذ، يطمئنُهُ فيها ويستدعيه للرجوعِ إلى حلَب.
وكان الملوك أنذاك يسندون وظيفةَ الكاتبِ لرجلٍ ذكي، حتى يُحسِنَ صياغةَ الرسائلِ التي تُرسَلُ للملوك والأمراء، بل وكان أحياناً يصيرُ الكاتبُ ملِكاً أو وصياً على العرش إذا مات الملك.
شعَرَ الكاتبُ بأنّ الملِكَ ينوي الغدر بالأمير، فحرر له رسالةً عاديةً جداً، ولكنه كتبَ في نهايتها :
” إنَّ شاء اللهُ تعالى “، بتشديد النون !

هذا الموضوع فيه إنَّ – فيديو على اليوتيوب

فهم الأمير للرسالة التي فيها إنّ

لما قرأ الأمير الرسالة، وقف متعجباً عند ذلك الخطأ في نهايتها، حيث كلمة” إن ” في عبارة ” إن شاء الله ” لاتحتاج الى شَدة ، وهو يعرف حذاقة الكاتب ومهارته وذكائه ، ويستحيل أن يسقط في مثل هذا الخطأ، لذلك أعاد قراءة الرسالة مرة أو مرتين . فأدرك بما لا يدعو للشك أنّ الكاتبَ يُحذِّرُه من شيء ما حينما شدّدَ تلك النون!

ولمْ يلبث أنْ فطِنَ إلى قولِه تعالى :
( إنّ الملأَ يأتمرون بك ليقتلوك ) .. ففهم الاشارة .
ثم قام بكتابة رد على رسالة الملك .. وكان الرد عاديّاً جداً لا يشوبه تصنع، حيث شكرَ للملكَ أفضالَه وطمأنه على ثقتِهِ الشديدةِ به، وفي الأخير ختمها بعبارة :
« إنّا الخادمُ المقرُّ بالإنعام ».
بكسر الهمزة و تشديد النون في إنّا ! والصحيح هو « أنا » .
فلما قرأها الكاتبُ فطِن إلى أنّ الأمير يبلغه أنه قد تنبّه إلى تحذيره المُبَطن، وأنه يرُدّ عليه بقولِه تعالى :
( إنّا لن ندخلَها أبدًا ما داموا فيها )
فاطمأن إلى أنّ الأمير ابنَ مُنقِذٍ لن يعودَ إلى حلَبَ ما دام الملكِ الغادر موجود فيها.
ومنذ ذلك اليوم صارتَ هذه العبارة يتداولها جيلُ بعدَ جيلِ. فيقولونَ للموضوعِ إذا كان فيه غموض أو شكٌّ أو سوءُ نية :
« هذا الموضوع فيه إنّ » !

كان القرآنُ هو إطارَ الحياة.
قال ابنُ الأثير :
” وهذا من أعجبِ ما بلغَني من حِدّةِ الذِّهنِ وفطانِة الخاطر، ولولا أنه صاحبُ الحادثةِ المَخُوفةِ لَمَا تفطَّن إلى مثلِ ذلك أبداً ؛ لأنه ضَربٌ من عِلمِ الغيب، وإنما الخوفُ دلَّه على استنباطِ ما استنبطَه “.
المصادر: كتاب المثَل السائرفي أدب الكاتب والشاعر
للعلّامة : ضياء الدين ابن الأثير…

 

قناة رحيل الليل

روابط قد تهمك: 

شارك الموضوع
إذا أعجبك المقال ،لا تَقْرَأْ وتَرْحَل، وتُحَمِّل وتَرْحَلْ … تَـعْلِيقَـاتُكَ تَـشْجِيعٌ لَـنَـا لِنَسْتَمِرَّ فِــي الْبَحْثِ وَالْعَطَـاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

حول الكاتب :   من أقصى شمال المغرب كاتب مقالات إلكترونية حول كيفية بناء موقع ويب ناجح : ووردبريس ، HTML ، CSS .ومواضيع مختلفة وناشط على اليوتيوب في قناة: Jabism Web و رحيل الليل
كتب 447 مقالة في jabism.com.
-:- راسلني   -:- تابعني على تويتر   -:- تابعني على الفايسبوك

29 عدد المشاهدات لهذا المحتوى
Scroll to Top