قصة الشاب الذي غير وجه اليابان أو قصة نجاح التي جعلت اليابان يتمركز في مصاف الدول المتقدمة:
ما هو السر إذن ؟ .. في بضع دقائق ستقرأ قصة الهِمَم حين تنشد القِمَم.
القصة التي سأسردها اليوم غريبة وعجيبة لكنها حقيقية. كما يقال بالفرنسية Incroyable mais vrai
هي قصة رجل ياباني يُدعى تَـاكْيُو أوسَاهِـيرَا، هذا الرجل كان يتساءل دائماً عن سر تقدم الغرب وتفوقه عن الشرق ، هذا السؤال ظل يشغل باله كثيراً ! ولم يكتفي بطرح السؤال فقط، بل كان يبحث عن السر بشغف كبير إلى أن وجد إجابه بسيطة وهي أنَّ السِّر يكمن في الميكانيك و المحرك . فكان يقول:
(إذا عرفت كيف تصنع المحرك، فقد وضعت يدك على سر هذه الصناعات كلها) . هنا تحركت بداخله الهمة وتفجر لديه الطموح والرغبة في الوصول إلى تفكيك شفرات هذا السر.
قصة الشاب الذي غير وجه اليابان
فعلا خرج تَـاكْيُو من اليابان إلى ألمانيا في بعثة طلابية ؛ ليدرس علم الميكانيك والمحركات، وينال درجة الدكتوراه فيها ، وكله أمل ورغبة في أن ينقل علوم ألمانيا المتقدمة إلى بلده اليابان الذي كان أنداك يعيش في خط الصفر مقارنة بما وصل إليه اليوم من تقدم ونمو وازدهار علمي وتكنولوجي قل نظيره في هذا العالم، كان تَـاكْيُو إذن يريد أن ينهض بأمته، لكنه فُوجئ أن الغرب لا يدرس الأجانب إلا نظريات على ورق. وكان يقول: (ذهبت إلى ألمانيا فإذا بهم يدرسونني الكتب والنظريات، ولكني كنت أريد أن أمتلك القدرة على تصنيع المحركات، وأن أعرف كيف أتعامل معها،
فبقيت في حيرة أنظر إلى المحركات، وكأنني طفل أمام لعبة جميلة، ولكنها شديدة التعقيد، حتى سمعت عن معرض للمحركات الإيطالية، فأخذت كل ما أملكه من المال، وذهبت إلى ذلك المعرض، واشتريت محركاً مستعملاً، وذهبت به إلى بيتي، وهناك شرعت في تفكيكه وكلي لهفة وشوق أن أتعلم، وقلت بيني وبين نفسي : إذا فككت هذا المحرك قطعة قطعة، ثم استطعت إعادته بنجاح؛ فإن ذلك يعني أني سوف أمتلك المعرفة اللازمة للتعامل مع هذه المحركات).
ثم يكمل قائلاً: (وكنت أفتح المحرك وأفككه، ثم أرسم كل قطعة رسماً دقيقاً، وقد يستغرق ذلك مني يوماً كاملاً من أوله إلى آخره، كنت آكل في اليوم وجبة واحدة، ولا أصيب من النوم إلا ما يمكنني من مواصلة العمل.، ثم أعدت تركيبه، فلما اكتمل قمت بتشغيله فاشتغل ، فرح تَـاكْيُو أوسَاهِـيرَا فرحاً شديداً إنها نشوة النجاح ! لكنني صراحة لا أدري إن كانت فرحته تشبه فرحة أرخميدس حين اكتشف قانون ( دافعة أرخميديس ) فهو حين اكتشف قانون الطفو وكان في الحمام خرج عارياً يجوب في الشوارع وهو يقول وجدتها .. وجدتها ..
لكن صاحبنا الياباني قال: فرحتُ حتى كاد قلبي أن يتوقف من الفرح ، وقد حق له ذلك ..
يقول تَـاكْيُو : ذهبت حينها عند رئيس بعثتي وأخبرته بأني وضعت رجلي على الطريق الصحيح . شاركني فرحتى وأعطاني محركاً عاطلاً لأصلحة . فأصلحته بنجاح، و بدأ الطموح يكبر وباب الأمل فتح على مصراعيه أمام عيني.
فقال لي رئيس البعثة: عليك الآن أن تصنع القطع بنفسك، ثم تركبها لتصير محركاً خالصاً من صنع يدك . فكان هذا هو التحدي الذي سيسمو بي عالياً. ولكي أستطيع فعل ذلك، التحقت بمصانع صهر الحديد، وصهر النحاس، والألمنيوم، وهذا العمل جعلني أبتعد عن تحضير الدكتوراه كما أراد مني أساتذتي الألمان .
قصة الشاب الذي غير وجه اليابان
فتحولت بدل ذلك إلى عامل ألبس بدلة زرقاء، وأقف صاغراً إلى جانب عامل غربي أتعلم تذويب المعادب وصهرها وكيفية تشكيلها على النحو المطلوب، كنت أطيع أوامره وكأنه سيد عظيم، حتى أنني كنت أخدمه وقت الأكل مع أنني من أسرة ساموراي، والأسرة السامورائية هي من أشرف وأعرق الأسر في اليابان .
ولكنني كنت أخدم اليابان، وفي سبيل اليابان يهون كل شيء، قضيت في هذه الدراسات والتدريبات ثماني سنوات، كنت أعمل خلالها ما بين عشر وخمسَ عشْرة ساعة في اليوم . وبعد انتهاء يوم العمل كنت آخذ نوبة حراسة، وخلال الليل كنت أراجع قواعد العمل . ولا أنام من الليل إلا قليلا
ويكمل قصته قائلاً: بعد هذه المسيرة التي كانت مكللة بالنجاحات ، عدت إلى اليابان وهناك استأنفت عملي لتطوير قدراتي في مشروع هو الفريد من نوعه في اليابان، سمع بي آنذاك إمبراطور اليابان (ميكادو) ، ورغب في رؤيتي،
فقلت في نفسي: لا زلت حتى الآن لا أستحق أن أحظى بكل ذلك التقدير و بكل ذلك الشرف ، نعم أنا أستحق مقابلة الإمبراطور إلا بعد أن أنشئ مصنعاً كاملاً للمحركات . واستغرق ذلك منّي تسع سنوات،
وبعد اكتمال السنوات التسع، كنت قد صنعت عشر محركات مكتوب عليها صنع في البايان ، فحملتها وذهبت إلى قصر الإمبراطور، وقلت له هذه محركات يابانية مئة بالمئة فأدرناها فاشتغلت. وإبتسم الميكادو وتهلل وجهه وهو يسمع صوت المحركات فقال: هذه أعذب معزوفة سمعتها في حياتي، صوت المحركات اليابانية الخالصة, وهكذا ملكنا النموذج الذي هو سر قوة الغرب . وبهذا النجاح استطعنا نقل قوة أوروبا إلى اليابان، ونقل ابتكارات اليابان إلى الغرب ).
تأملوا ثقة هذا الشاب بذاته، تلك الثقة التي دفعته أن ينقل هذه التكنولوجيا المتقدمة، بل ويطورها من أجل إفادة بلده وأمته، إنها الطاقة المحركة التي لا تهدأ، إنها الثقة بالنفس.التي ألهمت كلّ عامل ياباني فأصبح يرفع شعار : إذا كان الناس يعملون ثمان ساعات في اليوم سأعمل أنا الياباني تسع ساعات : ثمان ساعات لنفسي ولأولادي و الساعة التاسعة من أجل اليابان , تلك المعنويات العالية هي التي جعلتنا نقول: العالم يلهو و اليابان يعمل , و جعلتنا نفتخر حين تكون ملبوساتنا و مقتنياتنا صُنعت في اليابان .
اليوم أصبح بلد اليابان يدعى كوكب اليابان لأنه أضحى بلد المفاجأت التي لا تنتهي في عالم الصناعات التكنولوجية.لأنه اليوم مختلف عن كل العالم حتى اجتماعياً واخلاقياً.
في أمان الله
روابط قد تهمك: