رحلة عمر بن الخطاب إلى بيت المقدس

 

رحلة عمر بن الخطاب إلى بيت المقدس

كرامات ومفاجآت لم يسجل التاريخ نظيراً لها

ما لم يُدَرِّسُوهُ لَكَ عَنْ عُمَر بنُ الْخَطَّاب

 

رسالة أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب

 

القصة بدأت سنة 15 هجرية  حين تلقى عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضى الله عنه خطاباً من قائد الجيش أبي عبيدة عامر بن الجراح قال فيها:
يا أمير المؤمنين إن أهل بيت المقدس قد طلبوا الصلح واشترطوا أن يتولى خليفة المسلمين استلام المفاتيح بنفسه وإنا يا أمير المؤمنين حاصرناهم بجيشنا فأطل علينا من فوق أسوار المدينة المقدسة البَطْرِيَرْكْ صُفْرُونْيُوسْ وقال إنا مستعدون لأن نسلم لكم المدينة لكن بشرط أن يكون التسليم لأميركم . فتقدمت منه وقلت أنا أمير الجيش فقال إننا لن نسلم المفاتيح لأمير الجيش، إنما نريد أمير المؤمنين .

فاستجاب عمر بن الخطاب لطلب عبيدة بن الجراح ، واستعد لهذا الأمر بعد أن استشار كبار الصحابة مثل عثمان بن عفان وعلي ابن أبي طالب رضي الله عنهما، ثم استخلف عليّاً على شؤون المسلمين في المدينة وخرج في طلب بيت المقدس.
خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه من المدينة المنورة قاصداً بيت المقدس. ولم يرافقه أحد سوى غلامه الوحيد ولم تكن له من راحلة سوى بعيراً واحداً، وهنا يعجز اللسان عن الوصف والعقل عن التفكير!  فهو أمير المؤمنين الذي يهتز كسرى على كرسيه فرقاً ، من خوفه وملوك الروم تخشاه!  لم يخرج معه حرس جمهوري ولا وفد رفيع المستوى ،  ولم ترافقه حاشيته وخدمه وعبيده، وأنّا له ذلك، فهو خارجَ كل عوالم البروتوكولات التي نشاهدها اليوم. وإنما كان بصحبته غلامه أسلم  وراحلته.

فهو لا يهاب شيئاً، حتى أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حقه :

«والذي نفسي بيدِه، ما لَقِيَكَ الشيطانُ قَطُّ سالكاً فَجّاً إلَّا سَلَكَ فَجّاً غيرَ فَجِّكَ»

وقال فيه رسول كسرى حين وجده نائماً تحت شجرة لوحده دون حرس: حكمت فعدلت فأمِنْتَ فنمت يا عمر.

من هنا تبدأ قصة الرحلة:

رحلة عمر بن الخطاب إلى بيت المقدس

رحلة عمر بن الخطاب إلى بيت المقدس

خرج عمر من مدينة رسول الله، ولما صار خارجها قال لخادمه أسلم:
نحن إثنان وليس عندنا إلا راحلة واحدة فإن ركبتُ أنا ومشيتَ أنت ظلمتك وإن ركبتَ أنت ومشيتُ أنا ظلمتني وإن ركبنا نحن الإثنين قصمنا ظهر البعير، فلنقسم سفرنا إلى مراحل حتى نقطع الطريق في سلام وأمان. فوضع خطة مثالية عادلة . وكيف لا ؟ فهو الذي إذا ما ذكر عمر إلا وذكر العدل. فكان عمر يركب ويقرأ سورة ياسين والغلام ماشيا ثم ينزل عمر ويركب الغلام فيقرأ سورة ياسين وعمر ماشيا  ثم ينزل الغلام . وهذه المرة لن يركب عمر ، بل سيترجل هو  والغلام ويمشيا على قدميهما مسافة قراءة سورة ياسين كي يستريح البعير ماشياً لا يحمل  أحداً .

أرأيت عدلاً مثل هذا؟ أيها العالم المتحضر! لا نحتاج منك دروساً ! فهاهي الدروس تمشي على قدميها ! هنا تتجلى الحقوق وهنا العدل والانصاف .. كفاكم تبجحاً وكفاكم انبهاراً  بالوافد من الغرب. هنا يُلقن عمر بن الخطاب دروسا  للعالم ويعلمهم  كيف تُجَسَّدُ حقوق الانسان على أرض الواقع   بتقديره لخادمه .. وهنا تتجلى حقوق الحيوان في أبهى مظاهرها حين يعطي للبعير حقه في الراحة . 

وهو الذي قال قولته الشهيرة التي سجلها التاريخ بمداد الفخر . و سارت بها الركبان في كل البطاح  : لو عثرت بغلة في العراق لخفت أن يسألني الله لماذا لم أصلح لها الطريق .. إنه عمر .. إنه العدل يمشي على رجليه.

 

وهكذا استمر عمر بن الخطاب يُقسم الطريق ليالي وأياماً بشكل عادل من المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية حتى وصل جبلاً مشرفاً على القدس فكبر عمر وكبر معه الغلام وكبر كل المسلمين الذين كانوا ينتظرون قدومه.

ها هو الآن  على مشارف مدينة القدس وقد  انتهى دور عمر بن الخطاب في الركوب على البعير فقال للغلام: تعال اركب الآن دورك فقال الغلاميا أمير المؤمنين لا تنزل انظر إلى المدينة انظر إلى الخيول المسرجة وإلى العربات المذهبة فإذا دخلنا المدينة وأنا راكب وأمير المؤمنين يمشي ويقود بي الراحلة سخروا منا وقد يتراجعوا عن استسلامهم وتسليم المدينة المقدسة فقال أمير المؤمنين عمر:

” دورك يا أسلم لو كان الدور دوري ما نزلت أما والدور لك لأنزلن ولتركبن، ونزل و ركب الغلام وأخذ عمر بمقود البعير يجره  

وأما جيوش المسلمين الذين كانو يحاصرون المدينة هناك. وقادتها الأربعة فقد خرجوا في عرض عسكري رائع ورهيب ما سمعت الدنيا بمثله.

وأين هو  موكب عمر  الذي أتى فيه ليتسلم مفاتيح بيت المقدس؟
لا موكب ولا حرس جمهوري، ولا حشم ولا حرس ثوري! فقد ظن الناس أنه سوف يأتي في كبار الصحابة، وفي كبار الأنصار والمهاجرين من الصالحين والعلماء، ومن النجوم والنبلاء، لكنه أتى بجمل واحد ومعه خادمه أسلم ، فمرة عمر يقود الجمل والخادم يركب، ومرة عمر يركب والخادم يقود الجمل.

وعندما أشرف على بيت المقدس قال الأمراء المسلمون: من هذا؟
لعله بشير يبشر بقدوم أمير المؤمنين.
فاقتربوا منه فإذا هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقود البعير وخادمه أسلم راكباً مثل الأمير. وكانت الأرض مروجاً وبركاً فمر عمر فوق بركة ماء بها طين ، فوضع نعله تحت ابطه ، وانغمست قدماه في الطين وهو لا يبالي.
فقال له أبو عبدية بن الجراح  : يا أمير المؤمنين الناس في انتظارك والدنيا خرجت لاستقبالك، أتخوض الطينُ قدميك يا أمير المؤمنين وتلبس هذه المُرقعة وهؤلاء القوم  قساوسة وأساقفة  وأعيان و هم يُحبون المظاهر، وأنت أمير المؤمنين فهلا غيرت ثيابك وغسلت قدميك؟؟ إستبدل هذا الثوب بثوب جديد وجميل فهذا مقام عزة وتشريف للمسلمين بتسلم مفاتيح بيت القدس.

فقال عمر قولته الشهيرة التي حفظها الدهر ووعتها الدنيا وهو يلوح بدرته صوب أبو عبدية بن الجراح : يا أبا عبيدة،نحن قوم كنا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغير الاسلام أذلنا الله ، يا أبا  عبيدة هم يجلوننا لاسلامنا لا لثيابنا. والله لو قالها أحد غيرك يا أبا عُبيدة لعلوت رأسه بهذه الدِّرة.
دخل الغلام راكباًوأمير المؤمنين يمشي على قدميه وقد وصل الطين تحت ركبتيه ، ونعله تحت ابطه ، ولما وصلوا

 سور مدينة القدس وجد القساوسة  في استقباله خارج باب سور المدينة ويسمى باب دمشق وعلى رأسهم البطريرك صفرونيوس  الذي خرج معه النصارى لاستقباله في أبهة عظيمة لتسليم مفاتيح بيت المقدس، وخرجت النساء على أسقف المنازل وعلى أسطح البيوت، وخرج الأطفال في الطرق والسكك يلهون ويجرون.

 

نظر البطريرك صفرونيوس إلى عمر وحقق في ثوبه المرقع وهو يقودُ الدابة بغلامه، فقال له:  أنتَ الذي قرأنا أوصافه في كتبنا، يدخلُ ماشياًوغلامهُ راكباً وفي ثوبه سبعة عشرة رقعة ، فسلمهُ مفاتيح القدس .

يا من يرى عمراً تكسوه بردته = والزيت أدم له والكوخ مأواه
يهتز كسرى على كرسيه فرقاً = من خوفه وملوك الروم تخشاه

رحلة عمر بن الخطاب إلى بيت المقدس

وفي هذا الموقف الرهيب الذي يجمع عظماء التاريخ في حدث هو الفريد من نوعه، يتلو عمر بن الخطاب العهدة العمرية التي  ستبقى خالدة مخلدة في التاريخ والتي أعطت ضمانات الحرية المدنية والدينية للمسيحيين . وقد وقع عليها الخليفة عمر بن الخطاب  نيابة عن المسلمين، وشهدها خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان.

وقد نص شرط في العهدة العمرية أن لا يسكن بإيلياء  معهم أحد من اليهود. حيث خطب عمر في أهل بيت المقدس قائلا: «”يا أهل إيلياء لكم ما لنا وعليكم ما علينا.”» ولكم أن تبحثوا عن محتوى العهدة العمرية لاكتشاف عظمة الاسلام وسماحته. ثم دعاه البطرِيَرْك صُفرونيوس لتفقد كنيسة القيامة، فلبى عمر دعوته.  وبينما عمر  داخل الكنيسة ، إذ أدركته الصلاة فالتفت إلى البَطْرِيَرْك وقال له: «”أين أصلي؟ فقال “صل مكانك حيث أنت” فقال: ما كان لعمر أن يصلي في كنيسةٍ فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجداً»  
فابتعد عنها رمية حجر وفرَش عباءته وصلى. وكأنه تنبأ لما قد يحدث من بعده .
وجاء المسلمون من بعده وبنوا في ذلك المكان مسجداً سمي بمسجد عمر.بن الخطاب . وقد تم تدمير مئذنته في عصر المملوكي.. لكن أعيد بناؤها من جديد خلال القرن 19.

 هذه قصة واقعية أذهلت عقول الغرب، ليس لجحودهم وإنكارهم لحضارة المسلمين وتاريخهم  المجيد  و لكن محاولةً منهم لطمس حقائق لأعظم الرّجال في التاريخ البشري وإخفاء القدوة من حياة المسلمين. وذات القصة أبهرت عقول العرب والمسلمين أيضاً لجهلهم بحياة الصحابة الكرام الذين كانوا أقماراً منيرة تمشي على الأرض والذين  أضاءوا العالم حين كان غارقاً في ظلمات الجهل والأوهام والخرافات  واليوم يتبنون أفكار التيه والتشويش التي يروجها المرضى من العلمانيين والمغرضين.

 

قناة رحيل الليل على اليوتوب

أرى أن هذه المواضيع قد تهمك:

 

شَـاركِ الْمَوْضُوع: 
إذا أعجبك هذا المحتوى، فلا تَقْرَأْ وتَرْحَل … تَـعْلِيقَـاتُكَ تَـشْجِيعٌ لَـنَـا لِنَسْتَمِرَّ فِــي الْبَحْثِ وَالْعَطَـاء. وإِذَا كنت تعتقد أنه قد يكون مفيداً لأشخاص آخرين، فشَارِكْهَ على الشبكات الاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

حول الكاتب :   من أقصى شمال المغرب كاتب مقالات إلكترونية حول كيفية بناء موقع ويب ناجح : ووردبريس ، HTML ، CSS .ومواضيع مختلفة وناشط على اليوتيوب في قناة: Jabism Web و رحيل الليل
كتب 447 مقالة في jabism.com.
-:- راسلني   -:- تابعني على تويتر   -:- تابعني على الفايسبوك

13 عدد المشاهدات لهذا المحتوى
Scroll to Top