هَذَيَانُ السُّهَاد و غَرَائِبُ الزّمَان ← من خواطر عبدالرحيم ح.س
حين يُـرْخِى اللَّيْلُ سُدُولَهُ، يَحْلُو السُّبَـات. لَوْنٌ قَاتِمٌّ وَدُخُّانُ الْيَأْسِ يَنْبَعِثُ مِنَ الشَّرْق. وهَرَجٌ مُمِلٌّ يَصْنَعُ جِيلاً بِلاَ هَوِيَّة ، أبْكَمُ أصَم، يُثير الشّفقة، يَجْهل كل سَوِيَّة، ويعلم كل تَخَارِيفِ الحياة.
صُمْتُ عن التَّأْنِيبِ، شُعُورٌ مُؤْلِمٌ يُرْبِكُني، نُعَاسٌ يُرَاوِدُني، يَطْرُدَني إلى وِسَادَتي، وأنا كالثَّمِلِ أُعَاكِسُه،أَفْرِكُ عيْنَيَّ تارةً، و أخرى أسْتَنْجِدُ الهِمَم ! يُرَاوِغُنِي، يُحَاولُ إسقَاطِي مِنْ على الْكُرْسِيِّ!
أَعْدَدْتُ فنجانَ قهوةِ بِـلاَ سُــكَّــرْْْ !
هاجمني السُّهَادُ يُثْقِـلُ أَجْفَانِي، و على عتَبَةِ التَّأمل جَلَسْـتُ أُقَلِّم أظَافِـري بأسْنَاني، تِهْتُ في وجهٍ شاحبٍ كجذعٍ يابسٍ يحمل على كاهله ثِقْلَ الزّمان . أرْمُقُهُ مِنْ تَحْتِ دَبْدَبَاتِ النُّعَاس.
شَرِدْتُ في لا عُنْوان ، أبحث عن لا شيئ ، في لا مكان ! كأني أراجع نُصُوصَ الأدبِ القديمة أو فلسفةِ اليونان، و أغْلالٌ تُقَيِّدُني تحبس أنفاسي! .. أين الطَّريق؟ …
تِهْتُ داخل فُصُولِ الرِّوايَةِ، بلا مِجْدَاف، و الشِّراعُ تَمَزَّق.
و بَدَأَتِ الآهات تتلوها تَمْتَمْاتٌ مجنونةٌ في ركن الذكريات!
نشرت أحزاني على صفحات الظَّلام الدَّامِسِ..
وقَّعْتُ على صفحة مُخَيِّلَتي صكَّ بَراءَتي و تَنَحَّيْت..
جَمَعْتُ أحْرُفِي.. و هَمَمْتُ بالرَّحِيل، لأنْسَى الماضي السَّحِيق و موضة الخَوَاء وقوانين الجَفَاء .
همسَتْ لِي مشاعري بِأُنْسٍ و قالت: أجُنِنْتَ يا هَذَا؟ دَعِ الأقْدَارَ تَفْعَلُ ما تَشَاء، وأكْمِلْ مَسِيرَكَ لا تُدْمِلِ الجِرَاح!
ورَغْمَ قِلَّة حيلتي ،
شَمَّرْتُ عن سَاعِدَيَّ وسِرْتُ أطوي الفَيَافِيَ عَلَّني أدرك ما فاتَني.. وما ضيعت سوى أدمعي..
نظرتُ خلفي.. وخلفي سَحَابَةٌ مُثْقلةُ بالذِّكريات.. تبكي أيامي.. وتنوح طفولتي..
عبثاً حاولت تجاهل النُّواح ، فلاحقتني آلامي وآهاتي تُفْقِئُ الجراحَ القديمةَ..
أيا طفولتي لما تَقْتَفِينِي؟ أَوَ لَيْسَ العُمر يغدو ويطوي المآسيَ ؟
أو ليس إخوة العُرب أضحَوْا مِنَ الأمْسِ ؟
كنا نَنْدِبُ حَظَّنا ونضرب خمساً بِخَمْس ، واليوم سَنَلْطِمُ رأسَنا بفأسِ.
ما عادتِ الصورة كما كانَتْ ولا خيْمَتِي تستهويني..
باعوا السَّلام والأمانَ وضَيَّعُوا الأمَانَة ، وراحُوا يُبَايِعُونَ الأنْذَال.
وجَزِيرَتُنا ما عادَتْ كَمَا الأمْسِ
فهي اليوم نَحْسٌ على نَحْسِ.
إقرأ أيضاً: قسم خواطري التي تحمل الآهات ..